quira2at
 

حول المذكرات الجديدة للمفكر الجزائري مالك بن نبي

الحلقة الأولى 

 د.عثمان أبو زيد

تلقيت منذ أيام هديتين فاخرتين من الجزائر؛ عبوة من تمر (دقلة النور)، ونسخة من مذكرات


لمالك بن نبي نشرت حديثاً بعنوان (العفن)!
هذه المذكرات


لم نسمع عنها من قبل، مع أن كتابات المفكر الجزائري بن نبي يعرفها جيلنا معرفة جيدة؛ مذكرات
 

شاهد القرن


والكتاب الشهير شروط النهضة


وغيرهما. ومن المفارقة أن فكر مالك بن نبي كان أشد تأثيراً خارج بلده الجزائر، في الشام وفي
 

شرق آسيا، وقد نسب إلى رئيس ماليزيا


السابق مهاتير محمد قوله إن أفكار مالك بن نبي هي أساس النهضة الحديثة لماليزيا.


كانت كتابة هذه المذكرات في أوائل سنة 1951، فيكون هذا العمل أول ما كتب مالك بن نبي عن سيرته من
 

حيث الفترة الزمنية، قبل


مذكراته “الطالب” و “الكاتب”، لكنها هي آخر ما نُشر له بالعربية والفرنسية، متأخرة عن الصدور نحو

 
ستة وأربعين عاماً.


يتساءل أحد كتاب جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء في الجزائر: لماذا لم ينشر الأستاذ مالك

 
بن نبي-رحمه الله- هذه “الشهادة” في حينها


أو في حياته، أو لماذا لم يجتهد في ذلك كما اجتهد في نشر كتبه الأخرى مثل “شروط النهضة”


و”الظاهرة القرآنية” ولم يهتم لتخرج إلى الوجود،


واكتفى بتبرير ضياعها، خاصة وأن هذه المذكرات ليست مجرد سيرة ذاتية فقط للكاتب، بل هي


 أقرب إلى كتاب في التحليل الفكري للواقع الذي صنعه المستعمِر الغاشم


ويجيب الكاتب بقوله : “مهما يكن من أمر، فإن هذه المذكرات التي ترجمها الأستاذ نور الدين خندودي بأسلوب


عربي جميل قد حوت أفكارًا وأحكامًا


في غاية الخطورة تمنيتُ كقارئ لو أن الأستاذ المترجم - الذي اكتفى ببعض التعاليق الصغيرة في الهامش- أو


غيره من الباحثين كتبوا لها مقدمة تحليلية


لشخصية صاحب الكتاب والواقع الذي عاش فيه، وتصحيح بعض المفاهيم والأخطاء التي تراجع عنها صاحب
 

المذكرات نفسه بعد ذلك من خلال ما كتبه


في كتب أخرى أو مقالات أو ما حدّث به أقرب الناس إليه من أصدقائه وتلاميذه في
 

سنواته الأخيرة قبل وفاته”.


أول انطباع عن هذه المذكرات أنها تفصح أكثر مما يجب، ويبدو كاتبها متأثراً بنهج
 

(الاعترافات) لدى المؤلفين الأوروبيين


الذين لا يستنكفون عنقول كل شيء. وربما كان هذا سبباً لتأخر النشر إلى هذا الوقت، فقد بقيت

 
المذكرات طي الكتمان طيلة حياة مالك توفي عام 1973م)، ويقال إنه أوصى


أسرته بعدم نشرها. وقد كتب الدكتور عبد العزيز الخالدي في مقدمته لكتاب شروط النهضة أن المؤلف منعه
 

صراحة من التحدث عن هذه المذكرات


ولو بالإشارة والتلميح. ثم سمعنا أخيرًا أن أسرة بن نبي تقدمت إلى القضاء شاكية الناشر.


عاش مالك منبوذاً هائماً على وجهه مدة تسع سنوات في فرنسا، ووجد نفسه مثل فراشة أحاط بها بيت


العنكبوت بأحابيله من كل ناحية، فتحاول بجناحيها


الصغيرين أن تنقذ نفسها فلا تستطيع منه فكاكا، ولا عجب أن حمل قلمه يقاوم به


 الاستعمار وكل من تعاون مع الاستعمار بأسلوب قاس جدا


لقد نال المستشرق ماسينيون مستشار الإدارة الفرنسية للشؤون الإسلامية نصيبه من هجوم مالك، فهو

 
الذي سدّ على الطالب بن نبي كل سبيل في أثناء


دراسته، وعندما تخرج في مدرسة الكهرباء لم يمنح شهادة مع أنه من الطلاب المتفوقين، ليحوز فقط


شهادة (طالب سابق)، وعندما يذهب للتقديم في


الوظائف يجد أمامه نفوذ ماسينيون يسد أمامه الطريق. ويحاول أن يسافر إلى بلد عربي مشرقي ليجرب


حظه هناك، أو يحاول مجرد المرور


بمصر، فيمنعونه من تأشيرة المرور أو الدخول، وكل ذلك بإيعاز من ماسينيون المهتم

 
بأن “يلهمه بغضاً شديداً لإخوانه في الدين”.


كل الذين خرجوا عن طوع ماسينيون وضعوا في قائمة سوداء، ورفض طلبهم فور التقدم إلىالوظائف. أحد

 
هؤلاء من زملاء بن نبي آثر أن يعمل


حمالاً في محطة القطار ليضمن لقمة العيش فقط، وقد تعب


كثيراً حتى يعثر على هذا العمل الشاق.


إن جوهر الاستعمار كما يقول مالك هو أن يعمل للحط من أي إنسان له قيمة إلى آخر حد


حتى يفقد الشعور بقيمته.


لم يكن الاستعمار يطيق أن يكتسب أحد (الأهالي) تأهيلاً تقنياً، وإذا تمكن أحدهم من الظفر به، تكفل

 
النظام بضياعه بجميع الوسائل. في كل


 مرة يذهب ليطلب عملاً يسمعونه سيئاً من القول : “أنت تدرك أنه منذ أن بدأ سكان شمال إفريقيا
 
يتعلمون، لم يعد بالمقدور قيادتهم وحكمهم”.

...يتبع

 

 







 

 

 
  Copyright © 1996-2010 YassineFBI DESIGNS™, All Rights Reserved.  
 
Este sitio web fue creado de forma gratuita con PaginaWebGratis.es. ¿Quieres también tu sitio web propio?
Registrarse gratis